فصل: فصل: وأما كون ما أخبرنا الله به عن نفسه مجهولًا لنا من جهة الكيفية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


فصل‏:‏ وأما كون ما أخبرنا الله به عن نفسه مجهولًا لنا من جهة الكيفية

فثابت بدلالة السمع، والعقل

فأما دلالة السمع فمن وجهين‏:‏

الأول‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علمًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 110‏]‏‏.‏ فإن نفي الإحاطة بالله علمًا ، شامل للإحاطة بذاته، وصفاته، فلا يعلم حقيقة ذاته وكنهها إلا هو سبحانه وتعالى‏:‏ وكذلك صفاته‏.‏

الثاني‏:‏ أن الله أخبرنا عن ذاته وصفاته، ولم يخبرنا عن كيفيتها، وعقولنا لا تدرك ذلك، فتكون الكيفية مجهولة لنا، لا يحل لنا أن نتكلم فيها أو نقدرها بأذهاننا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 36‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 33‏]‏‏.‏

وأما دلالة العقل على ذلك‏:‏ فلأن الشيء لا تدرك كيفيته إلا بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره المساوي له، أو الخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية ذات الله تعالى‏:‏ وصفاته، فتكون كيفية ذات الله وصفاته مجهولة لنا‏.‏

وأيضًا فإننا نقول‏:‏ ما هي الكيفية التي تقدرها لذات الله تعالى‏:‏ وصفاته‏؟‏ ‏!‏ إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، أو تنطق بها بلسانك فالله أعظم وأجل من ذلك، وإن أي كيفية تقدرها في ذهنك، أو تنطق بها بلسانك فستكون كاذبًا فيها، لأنه ليس لك دليل عليها‏.‏

تتمة

بهذا التقرير الذي تبين به أنه لا يمكن أن يكون في القرآن شيء لا يعلم معناه إلا الله يتبين بطلان مذهب المفوضة الذين يفوضون علم معاني آيات الصفات ويدعون أن هذا هو مذهب السلف وقد ضلوا فيما ذهبوا إليه، وكذبوا فيما نسبوه إلى السلف، فإن السلف إنما يفوضون علم الكيفية دون علم المعنى، وقد تواترت النقول عنهم بإثبات معاني هذه النصوص إجمالًا أحيانًا، وتفصيلًا أحيانًا، فمن الإجمال قولهم‏:‏ ‏"‏أمروها كما جاءت بلا كيف‏"‏ ومن التفصيل ما سبق عن مالك في الاستواء‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ‏"‏درء تعارض العقل والنقل‏"‏ المعروف باسم ‏"‏العقل والنقل‏"‏ 1/16 المطبوع على هامش منهاج السنة 1/201 تحقيق رشاد سالم ‏"‏ وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن، وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله‏"‏‏.‏ إلى أن قال‏:‏ ‏"‏ فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن، أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلامًا لا يعقلون معناه‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ومعلوم أن هذا قدح في القرآن، والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبيانًا للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر بتدبر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته، أو عن كونه خالقًا لكل شيء وهو بكل شيء عليم، أو عن كونه أمر، ونهى، ووعد وتوعد، أو عما أخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه فلا يعقل، ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع‏:‏ الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك، لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها ومالا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا الكلام سدًا لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحًا لباب من يعارضهم ويقول‏:‏ إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء، لأنا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون، فضلًا عن أن يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد‏"‏‏.‏ اهـ كلامه رحمه الله‏.‏